فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان أتباعهم قد غيروا وبدلوا فلم تكن بهم ثقة، عبر بالرسل فقال: {من رسلنا} أي بقراءة أتباعهم لكتبهم التي حرفوا بعضها، وجعلت كتابك مهيمنا عليها فإنهم إذا قرؤوها بين يديك وعرضوها عليك علمت معانيها وفضحت تحريفهم وبينت اتفاق الكتب كلها برد ما ألبس عليهم من متشابهها إلى محكمها، فالمراد من هذا نحو المراد من آية يونس {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} [رقم: 94] ومن آية الأنبياء {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} [رقم: 24] مع زيادة الإشارة إلى تحريفهم، فالمسؤول في الحقيقة القرآن المعجز على لسان الرسول الذي شهدت له جميع الرسل الذين أخذ عليهم العهد بالإيمان به والمتابعة له، وبهذا التقرير ظهر ضعف قول من قال: إن المراد سؤال الرسل حقيقة لما جمعوا له صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ليلة الإسراء، فإنه ليس المراد من هذا إلا تبكيت الكفار من العرب وممن عزهم من أهل الكتاب بقولهم: دينكم خير من دينه وأنتم أهدى سبيلًا منه، فإنهم إذا أحضروا كتبهم علمت دلالتها القطعية على اختصاصه سبحانه بالعبادة كما بينته في كتابي هذا يرد المتشابه منها إلى المحكم، وجعلها ابن جرير مثل قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] وقال: ومعلوم أن معنى ذلك: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستغنى بذكر الرسل عن ذكر الكتب.
وهو عين ما قلته، ولو كان المراد حقيقة السؤال وسؤال جميع الرسل لقال: {قبلك} بإسقاط (من) ليستغرق الكل- والله أعلم.
ولما ذكر المسؤول مفخمًا له بما اقتضته العبارة من الإرسال والإضافة إليه، ذكر المسؤول عنه بقوله تعالى: {أجعلنا} أي أبحنا وأمرنا ورضينا على ما لنا من العظمة والقدرة التامة، مما ينافي ذلك، وقرر حقارة ما سواه بقوله: {من دون} وزاد بقوله: {الرحمن} أي الذي رحمته عمت جميع الموجودات {آلهة} ولما كان قد جعل لكل قوم وجهة يتوجهون في عبادتهم إلهًا، وشيئًا محسوسًا بغلبة الأوهام على الأفهام يشهدونه وكان ربما تعنت به متعنت، قال محترزًا: {يعبدون} أي من عابد ما بوجه ما.
ولما كان المترفون مولعين بأن يزدروا من جاءهم بالرد عن أغراضهم الفاسدة بنوع من الازدراء كما قال كفار قريش {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} ولا يزالون يردون هذا وأمثاله من الضلال حتى يقهرهم ذو الجلال بما أتتهم به رسله إما بإهلاكهم أو غيره وإن كانوا في غاية القوة، أورد سبحانه قصة موسى عليه الصلاة والسلام شاهدة على ذلك بما قال فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام من نحو ذلك ومن إهلاكه على قوته وإنجاء بني إسرائيل على ضعفهم، وتسلية للنبي صلى عليه وسلم وترجية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)}.
اعلم أنه تعالى لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم في هذه الآية بالصمم والعمى وما أحسن هذا الترتيب، وذلك لأن الإنسان في أول اشتغاله بطلب الدنيا يكون كمن حصل بعينه رمد ضعيف، ثم كلما كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثركان ميله إلى الجسمانيات أشد وإعراضه عن الروحانيات أكمل، لما ثبت في علوم العقل أن كثرة الأفعال توجب حصول الملكات الراسخة فينتقل الإنسان من الرمد إلى أن يصير أعشى فإذا واظب على تلك الحالة أيامًا أخرى انتقل من كونه أعشى إلى كونه أعمى، فهذا ترتيب حسن موافق لما ثبت بالبراهين اليقينية، روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميمًا على الكفر وتماديًا في الغي، فقال تعالى: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي} يعني أنهم بلغوا في النفرة عنك وعن دينك إلى حيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالأصم، وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالأعمى، ثم بيّن تعالى أن صممهم وعماهم إنما كان بسبب كونهم في ضلال مبين.
ولما بيّن تعالى أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم قال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يريد حصول الموت قبل نزول النقمة بهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بعدك أو نرينك في حياتك ما وعدناهم من الذل والقتل فإنا مقتدرون على ذلك، واعلم أن هذا الكلام يفيد كمال التسلية للرسول عليه السلام لأنه تعالى بيّن أنهم لا تؤثر فيهم دعوته واليأس إحدى الراحتين، ثم بيّن أنه لابد وأن ينتقم لأجله متهم إما حال حياته أو بعد وفاته، وذلك أيضًا يوجب التسلية، فبعد هذا أمره أن يستمسك بما أمره تعالى، فقال: {فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} بأن تعتقد أنه حق وبأن تعمل بموجبه فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضال في الدين.
ولما بيّن تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الدين بيّن أيضًا تأثيره في منافع الدنيا فقال: {وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أي إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك حيث يقال إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء، واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لابد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل، ولو لم يكن الذكر الجميل أمرًا مرغوبًا فيه لما منَّ الله به على محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} ولما طلبه إبراهيم عليه السلام حيث قال: {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الأخرين} [الشعراء: 84] ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة، بل الذكر أفضل من الحياة لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي، أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان.
ثم قال تعالى: {وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} وفيه وجوه الأول: قال الكلبي تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل الثاني: قال مقاتل المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه، فيسأل سؤال توبيخ الثالث: تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف، واعلم أن السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام، فبيّن تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين محمد صلى الله عليه وسلم، بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره فقال: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ} وفيه أقوال الأول: معناه واسأل مؤمني أهل الكتاب أي أهل التوراة والإنجيل فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام، وإذا كان هذا الأمر متفقًا عليه بين كل الأنبياء والرسل وجب أن لا يجعلوه سببًا لبغض محمد صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني: قال عطاء عن ابن عباس «لما أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى بعث الله له آدم وجميع المرسلين من ولده، فأذن جبريل ثم أقام فقال: يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال له جبريل عليه السلام واسأل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: لا أسأل لأني لست شاكًا فيه».
والقول الثالث: أن ذكر السؤال في موضع لا يمكن السؤال فيه يكون المراد منه النظر والاستدلال، كقول من قال: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإنها إن لم تجبك جوابًا أجابتك اعتبارًا، فههنا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع، فكان المراد منه انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبر فيها بفهمك، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)}.
لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم بـ: {الصم} و{العمي}، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئًا.
وقوله: {ومن كان في ضلال مبين} يريد بذلك قريشًا بأنفسهم، ولذلك لم يقل: {من كان} بل جاء بالواو العاطفة، كأنه يقول: وهؤلاء، ويؤيد ذلك أيضًا عود الضمير عليهم في قوله: {فإنا منهم} ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: {ومن كان}.
وقوله تعالى: {فإما نذهبن بك} الآية تتضمن وعيدًا واقعًا، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم، قال الحسن وقتادة: أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {فإنا منهم منتقمون} فقال: بعلي بن أبي طالب والقول الأول من توعد الكفار أكثر، ثم أمر تعالى نبيه بالتمسك بما جاء من عند الله من الوحي المتلو وغيره. والصراط: الطريق.
وقرأ الجمهور: {أوحيَ} على بناء الفعل للمفعول. وقرأ الضحاك: {أوحى} على الفعل المبني للفاعل، أي أوحى الله.
وقوله: {وإنه لذكر لك} يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا. والقوم: على هذا قريش ثم العرب، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد. قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: فلمن يكون الأمر بعدك؟ سكت حتى نزلت هذه الآية، فكان إذا سئل بعد ذلك، قال لقريش، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا، إذ حكوا عدلوا، وإذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
وروى معاوية أنه عليه السلام قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين». ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة، فـ: (القوم) على هذا أمة بأجمعها، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن، وقوله: {وسوف تسئلون} قال ابن عباس وغيره معناه: عن أوامر القرآن ونواهيه: وقال الحسن بن أبي الحسن معناه: عن شكر النعمة فيه، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه.
واختلف المفسرون في المراد بالسؤال في قوله: {وسئل من أرسلنا} فقالت فرقة، أراد: أن اسأل جبريل، ذكر ذلك النقاش، وفيه بعد. وقال ابن زيد وابن جبير والزهري، أراد: واسأل الرسل إذا لقيتهم ليلة الإسراء، أما أن النبي عليه السلام لم يسأل الرسل ليلة الإسراء عن هذا، لأنه كان أثبت يقينًا من ذلك ولم يكن في شك. وقالت فرقة، أراد: واسألني، أو واسألنا عمن أرسلنا، والأولى على هذا التأويل أن يكون: {من أرسلنا} استفهامًا أمره أن يسأل له، كأن سؤاله: يا رب من أرسلت قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته الأمر بآلهة يعبدون؟ ثم ساق السؤال محكي المعنى، فرد المخاطبة إلى محمد عليه السلام في قوله: {من قبلك}. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء، أراد: وسل تباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، لأن المفهوم أنه لا سبيل إلى سؤاله الرسل إلا بالنظر في آثارهم وكتبهم وسؤال من حفظها.
وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: {وسئل الذين أرسلنا إليهم رسلنا}، فهذه القراءة تؤيد هذا المعنى، وكذلك قوله: {وسئل القرية} [يوسف: 82] مفهوم إنه لا يسأل إلا أهلها، ومما ينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] فمفهوم أن الرد إنما هو إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأن المحاور في ذلك إنما هم تباعهم وحفظة الشرع.
وقوله: {يعبدون} أخرج ضميرهم على حد من يعقل مراعاة للفظ الآلهة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي}.
يا محمد {وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا؛ ففيه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيه ردّ على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خَلْقُ الله تعالى، يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.
قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش.
{فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ} وهو الانتقام منهم في حياتك.
{فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} قال ابن عباس: قد أراه الله ذلك يوم بدر؛ وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة: هي في أهل الإسلام؛ يريد ما كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم من الفتن.
و{نَذْهَبَنَّ بِكَ} على هذا نتوفينَّك.
وقد كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وذهب به فلم يُرِه في أمته إلا التي تقرّ به عينه وأبقى النقمة بعده، وليس من نبيّ إلا وقد أُرِي النقمة في أمته.
وروي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أرِي ما لقيت أمته من بعده، فما زال منقبضًا، ما انبسط ضاحكًا حتى لقي الله عز وجل.
وعن ابن مسعود: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بأمة خيرًا قبض نبيّها قبلها فجعله لها فَرَطًا وسَلَفًا. وإذا أراد الله بأمة عذابًا عذّبها ونبيُّها حيٌّ لتَقَرَّ عينه لما كذَّبوه وعصَوْا أمره».
قوله تعالى: {فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يريد القرآن، وإن كذب به من كذب؛ فـ: {إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يوصّلك إلى الله ورضاه وثوابِهِ.
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن شرفٌ لك ولقومك من قريش، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم؛ نظيره: {لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] أي شرفكم.
فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب؛ فاحتاج أهل اللغات كلّها إلى لسانهم كلّ من آمن بذلك فصاروا عيالًا عليهم؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء، فشَرُفُوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سُمِّي عربيًا.
وقيل: بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة.
وقيل: تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به.
وقيل: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم؛ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الناس تَبَعٌ لقريش في هذا الشأن مُسْلمُهم تَبَعٌ لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم» وقال مالك: هو قول الرجل حدّثني أبي عن أبيه، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماورديّ والثعلبيّ وغيرهما.
قال ابن العربي: ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببَغْداد فإن بني التميمي بها يقولون: حدّثني أبي قال حدّثني أبي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبذلك شَرُفت أقدارهم، وعظّم الناس شأنهم، وتهمّمت الخلافة بهم.
ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أُكَيْنة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان: سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت عليّ بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنّان المَنّان فقال: الحنان الذي يُقبل على من أعرض عنه، والمنّان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال.